بعد ستين عاماً على اغتصاب فلسطين، ماذا تعني القدس في فكر من يعملون في قضية القدس؟
- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. في البداية أنا مواطن مسلم مهتم بالقدس باعتبارها القضية الأولى التي تشغل رأس هرم اهتماماتي لأنها البوتقة التي تتلخص فيها جهود المخلصين للعمل من أجل ارتقاء الأمة إلى معالي المجد والوحدة والإنجاز.
القدس كانت على الدوام منصة، من استولى عليها أصغت له الدنيا بالتالي هذا الكيلومتر مربع الذي يشكّل القدس هو أخطر كيلومتر على وجه الأرض، نحزن لحزنه إذا حزن ونفرح لفرحه إذا فرح.. إذا أرادت الأمة أن يكون لها مكان تحت الشمس يجب أن تكون لها سيادة على القدس، ذلك أنّ اليهود الآن أقاموا (دولة) أقاموا كياناً، من أجله حطّموا أنظمة وتنظيمات ونظماً, من أجله اقترفوا كل جريمة، وهذا الكيان ما هو إلا وسيلة لغاية، والغاية هي بناء هيكل، هيكل الرب يهوه الذي من أجله تحطّم الدول وتسجد الشعوب، يريدون أنْ يحوّلوا القدس إلى مركز كوني ربوي عالمي، يمارسون فيه السيادة، سيادة اليهود على المكان وبالتالي كما يقول (الاستئثار بميزة التحدث إلى الإله والحوار مع الإله) والإله هنا هو يهوه، الذي اخترعوه هم ولا أدري من الذي اخترع الآخر الشعب أم الرب، لكن هذا إله سفاح قبلي مجرم على مقاس اليهود وهو سبب مآسي ونكبات القدس، العالم كله الآن على شفير الهاوية بسبب تعدّي اليهود على القدس التي تشكل بالنسبة للمسلمين القبلة الأولى قبل مكة فهي البداية والمبتدى وهي النهاية والمنتهى وهي ستبقى المحشر والمنشر الذي منه يصعد جميع الناس إلى السموات في نهاية الكون، حتى مكة ينتهي دورها والمدينة ينتهي دورها –زادهما الله شرفاً وتعظيماً– أما القدس فدورها متصل ممتد، هي بوابة السماء ومحال محال أنْ يكون مفتاح الباب بيد هؤلاء الأوباش ممن اتصفوا بالفساد والإفساد، القدس على الدوام شكلت للأمة مصدر إيحاء وإلهام، مصدر توحيد جهد، مصدر علو وارتقاء. لذلك الآن تتضافر جهود كل الخيرين من مختلف تلاوينهم على الانخراط في مشروع حرب القدس الثقافية التي دشّنت عملياً، وهذه الاحتفالية هي إحدى تجلياتها لإنقاذ المسجد الأقصى لأنّ اليهود يستهدفونه ابتداءً لكي ينتزعوا حيوية الأمة ويمسحوا وجودها بالمطلق من القدس.. فهم يقولون إنّ المقدّس يزرع في الأرض يريدون استخدام هيكلٍ لهم عوضاً عن المسجد الأقصى لكي ينتحلوا ملكية المكان ومن ينتحل ملكية القدس سينطلق في ادعاء ملكية عموم فلسطين.
بعد ستين عاماً على احتلال القدس ما هي المخاطر الحقيقية التي تتهدد القدس؟
- أنا لا أستطيع أن أقول إنّ الاستهداف بدأ قبل ستين عاماً، الاستهداف بدأ قبل ذلك، الاستهداف بدأ بشكلٍ منهجي سنة 1838 على يد بالمرستون رئيس الوزراء البريطاني المتصهين آنذاك، الذي قدّم تسهيلات بالتوافق مع إبراهيم باشا الذي قتل نصف رجال القدس سنة 1838 وأطلق يد مونتفوري المبعوث البريطاني لكي يعمل على إكساب اليهود في القدس –على قلتهم وندرتهم– الاستفادة من جهود الإرساليات وحماية القنصلية وتمكنوا لأول مرة أن يمتلكوا داخل سور القدس بعض الدور، وتمادوا حتى أقاموا حياً خارج سور القدس، منذئذٍ والمقدسات داخل القدس تتعرض للتنقيب والحفر تحت الأساسات وفوق الأساسات وفي الآبار، كل متر كان محطّ اهتمامهم ومثار تخميناتهم، يبحثون ولا زالوا عبر عشرات البعثات التنقيبية، يبحثون على مجرد أثر من تاريخ يدعم مزاعمهم فما وجدوا إلا أن المسجد الأقصى ومرافقه تقوم على صخر طبيعي، والمسجد ليس جامعاً، وليس منصباً تاريخياً، المسجد الأقصى شهد قدسيّ كامل متكامل يحوي عشرات المرافق فوق الأرض ومثلها تحت الأرض فكل ما فوق الأقصى أقصى وكل ما تحت الأقصى أقصى. نقول لقد زاد واستفحل منذ أربعين عاماً برنامج الاستهداف بعد احتلال كامل القدس وبعد أوسلو ازداد وبعد أنابولس ازداد أكثر وأكثر، بمعنى تعمق مسار التسوية كلما استفحل الاستهداف لأنّ هذه المسارات تعطيهم الغطاء وتوفر لهم إمكانية التنصل مما يترتب عليهم نتيجة العدوان المستمر والمنهجي ضد مقدساتنا في القدس الشريف. الآن الصورة باختصار هم يعملون لأهداف استراتيجية لها أدوات من نمط أرض الميعاد وشعب الله المختار والحق التاريخي وكلها ترهات ليس عليها من دليل إنما من رحم الأساطير أقاموا دولة ويعملون على تحويل حقائقنا إلى أوهام. ونحن عندما نقول القدس لنا لدينا كل موجبات الملكية، فالآثار موجودة والوثائق محفوظة والروايات متواترة وهم لا يملكون لا هذه ولا تلك، وأنا أتحدى أن يكون لهم سنتيمتر مربع واحد وأنا لا أريد أنْ أتحدث إلا عن جانب واحد، لن أتحدث عن استهداف الإنسان وهو أخطر ما يحصل في القدس ولن أتحدث عن استهداف العمران سأتكلم عن الاستيطان وتطويق القدس بالمستوطنات.. فشرق القدس محاط بالمستوطنات، تكتلات استيطانية أطواق وأحزمة استيطانية (جبعات زئيف- معاليه أوديم- غوش عنيشون- النبي يعقوب) تحوي أكثر من اثنتين وثلاثين مستوطنة، كل مستوطنة لها مهمة ولها قضية ويوفر لها تسهيلات من كل الوزارات المعنية، أبناء المستوطنين توفر لهم تسهيلات استثنائية كل ذلك ليفصلوا شمال الضفة عن جنوبها أما داخل المدينة المسورة وهي مساحتها (1.2 كم2) فهناك أكثر من سبعين بؤرة استيطانية في هذه المساحة الصغيرة وبعض المواقع البؤرة لا تتعدى (2 م2) وبذلك سيطر الصهاينة بالحديد والنار على مساحة لا بأس بها من المدينة المسورة ولم يبقَ بيد العرب سوى ثلث المدينة وبذلك لم يبقَ مسجد أقصى ولا مدينة قدس حتى للتفاوض عليها، كل ذلك يوضح أنّ الاستهداف منهجي ونستطيع أن نقول إنّ المسجد الأقصى الآن فوق شبكة من الأنفاق تتلوى تحته والمسجد الأقصى معلق في الهواء، هنالك مدينة إلكترونية تحت المسجد الأقصى، هنالك متاحف ومصليات يهودية وكنس تحت المسجد الأقصى، هنالك متحف لأدوات هيكلهم تحت المسجد الأقصى، هنالك تسارع في مسار هدم المسجد الأقصى، أو دعني أقول إنّ المسجد الأقصى يهدم، يومياً ينتقص من أطرافه خاصة عندما أقول إنّ الأقصى ليس مسجداً بل مشهد قدسي ينتقص من أطرافه، ولا نسمع صوتاً إلا من الشيخ رائد صلاح، مرّ على اعتصامه في وادي الجوز أكثر من خمسة عشر شهراً وهو يهتف في مسامع الأمة.
ولكن لماذا هدم المسجد الأقصى؟
- هم يريدون القدس أنْ تكون عاصمتهم، هم يريدون يهودية الدولة ويهودية العاصمة، يهودية النمط يهودية الهندسة، هندسة توارثية مكذوبة لأنّ التوراة الذي بين أيديهم مكذوب وهو غير التوراة التي يرد ذكره في قرآننا الكريم، توراتهم هذه كتبت بعد وفاة موسى عليه السلام بستمائة سنة، واستمروا في كتابتها أربعمائة سنة وكتبت في بابل وليست التوراة الأصلية التي كان أبو حنيفة يتوضأ عندما يريد أن يقرأ التوراة.
إنهم يريدون أنْ يقرؤوا توراتهم ويسقطوها على الواقع الأثري الذي يرفض ذلك. إنّ استخدام الواقع الأثري يكذّب كل ادعاءاتهم، فالواقع الأثري عربي واللغة عربية والواقع المعماري عربي، لقد غيّروا داخل القدس ألفاً ومائتي مصطلح وفي عموم فلسطين أكثر من ستة عشر ألف مصطلح. حتى أنّ فلسطين أصبحت "إسرائيل"، لقد اغتصبوا الاسم اغتصبوا الماضي والحاضر ويحاولون اغتصاب المستقبل. عندما دخل الصهاينة إلى القدس في السابع من حزيران قال بن غوريون بوضوح: (لا تردد، الحل هو هدم السور وإزالة الآثار الوثنية التي اسمها المسجد الأقصى ورميها في وجه العرب المصلّين)... من كل ذلك أريد أنْ أصِلَ إلى أنّ الخطر الحقيقي على المسجد الأقصى هو الاستيطان الذي يشكّل سلاحهم الاستراتيجي. وقام شارون بإسكان (الجفعونيين) وهم شباب شرسون شرق القدس على التلال. لقد رفع شعار (2020) حيث خطط للخلاص من الديمغرافيا العربية سنة 2020 ثم يتخلّص من الجغرافيا العربية. واليوم نجد اختلالاً ديمغرافياً كبيراً ففي القدس ومحيطها لم يبقَ إلا ثمانية آلاف مسيحي وهذا خطر جداً، حتى أنّ المقدسات المسيحية لم نعدْ نجدها. والواقع المسلم ليس أفضل حالاً، يستخدم العدو أكثر من ثلاثين آلية لتهجير سكان القدس العرب؛ من سحب الهوية والإلحاق وتغيير المناهج. القدس تعاني سكين الغدر الصهيوني امتدت إلى عنق المسجد الأقصى.
تتعدد الهيئات واللجان والمسميات التي تحمل اسم القدس، هذا التعدد عامل قوة أم يشتت الجهد؟ كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟
- لا يزعجنا التعدد إنما يهمنا أنّ القدس هي المحور، وهي المغناطيس الذي يجذب جهود كل الناشطين وكلّ المخلصين، حرب القدس الثقافية متعددة الحقول والعناوين فيجب أنْ تهبّ الأمة بجميع مكوناتها الأمة بكينونتها الكاملة يجب أنْ تستنفر إلى أبعد توتّر لها من أجل إنقاذ القدس لأنّه لن يكون للأمة كلمة إذا كانت القدس أسيرة، لن يعم السلام ولن يفرح اليهود بسلام على وجه الأرض إذا لم يتحقق السلام في القدس، لن يسلم طفل يهودي على وجه الأرض لو بقي فينا آخر سائق جرافة بآخر زوايا الكون، لن يحل السلام في البشرية كاملة إذا لم ترفل به القدس فهي مدينة السلام والإسلام والأمان والإيمان. لن تهنأ عائلة يهودية على وجه الأرض براحة واستقرار إذا لم يهنأ العرب بالاستقرار في القدس، فالمدينة عربية من 5600 سنة وعربية مسلمة من 1400 سنة.سعود ابو محفوظ